النبراس – الحلقة الأولى: الرسالة المجهولة
1) بداية لا تشبه البدايات
قبل أن يهبط الليل على المدينة الساحلية، كان «نورس» – الفتى الذي يعشق الرياضيات ويخيط من الخيال معطفًا للواقع – يراجع مسألة في التباديل والتوافيق. هدأ صخب الشارع، وبقيت نافذته ذبالةً صغيرة في مواجهة الظلام. عند الخامسة والنصف مساءً، رنّ هاتفه القديم بنغمة لم يُضبط عليها من قبل.
رفع حاجبيه. «مجموع الأعداد الأولى السبعة» يحفظه عن ظهر قلب: (1+2+3+4+5+6+7)=28. لكن «نصف قطر الحقيقة»؟ أي حقيقة؟ أي نصف قطر؟ هل هي دلالة هندسية أم استعارة تنكرية؟ تمدّد على الكرسي، واستنطق الرسالة كخبير آثار يعيد تركيب لُقى ممزقة.
خطرت له «الدوحة»؛ أتكون شجرة الدُّوح في ساحة المتحف البحري؟ أم هي المدينة؟ أم اسمًا مستعارًا لمكان في مدينته؟ أطفأ المصباح، واتّخذ من الليل ساحة تدريب: كلما قلّ الضوء، اشتعل العقل.
2) الدوحة التي ليست شجرة
في الصباح، قصد «نورس» المكتبة العمومية. هناك، دلّه فهرس قديم على مخطوطة بعنوان «الدوحة في أخبار الساحل القديم». تصف المخطوطة مرفأً منسيًا كان يُسمّى «الدوحة الصغرى»، تتوسّطه نافورة دائرية. «دائرة؟» همس لنفسه، «إذن لدينا نصف قطر».
توجه إلى ساحة المرفأ القديم؛ نافورة مهملة، حجارتها تتلوّن بطحالب خضراء. أخرج من حقيبته شريط قياس صغيرًا وبوصلة يعلّقها في عنقه هواةُ الترحال. قاس قطر الحوض الحجري تقريبًا (3.2 أمتار). نصف القطر ≈ 1.6 متر. ضرب 28 × 1.6 = 44.8. تمتم: «هذا رقم، لكنه ليس مفتاحًا وحيدًا.»
على حافة النافورة، رُسم مثلث صغير لا يراه إلا من انحنى بزاوية معينة. تذكر الرسالة: «حين تنقلب الزاوية إلى مرآة». جرّب زاوية رؤية مختلفة، لوّح بهاتفه كمرآة صغيرة؛ انقلب المثلث في انعكاس الماء إلى سهم يشير إلى بلاطة ثالثة على يمين الدرابزين.
رفع البلاطة قليلًا؛ وجد دفتراً دقيقًا مُلفًّا في كيس عازل للرطوبة. على الغلاف: «دفتر الظلال». قلب الصفحة الأولى:
«بيت الزاوية الحية»؛ بيت مهندس عجوز، كان يُلقب «زاوية»، يملكه في حي قدماء البحارة. أغلق «نورس» الدفتر على وعد: سيعود عند العصر، حين تطول الظلال وتختلف أطوالها.
3) عندما تتكلم الظلال
عند الرابعة إلا ربعًا، ثبت «نورس» عصًا بطول متر في الأرض قرب النافورة. قاس ظلها: 1.15 متر. سجل الزمن والطول، ثم سرعان ما قارن بظل عمود الإنارة المجاور. نسب الطول بين الظلين أخرجت زاوية ارتفاع شمس تقريبية. أحسّ أن الحساب ليس الغاية؛ بل وسيلة لتحديد خط اتجاه.
ربط خطي الظلّين على خريطة يدوية صغيرة، ثم مدّهما نحو الحي القديم. الخط يمر مباشرة أمام بوابة «بيت الزاوية الحيّة». لم يكن بابًا يطرق، كان لغزًا ينتظر من يقرأه.
الباب حديدي قديم، مسمّر فيه قرص نحاسي تتناثر حوله علامات كأنها نجوم صغيرة. لمس القرص، فشعر برجفة خفيفة. مجرّد لمسة؟ أم أن هناك مجالاً مغناطيسيًا حدًّا؟
على العارضة العليا نُقشت عبارة: «أيها الداخل، إن كنت تعرف مجموع زواياك، فادخل آمناً.» ابتسم «نورس»: «مجموع زوايا المثلث 180°… لكن أي مثلث؟»
4) اللغز الأول: «زاوية لا تنام»
بسط «نورس» دفتر الظلال على عتبة الباب. ظهرت رسمة مثلث قائم، ضلعه الأكبر يشبه عارضة الباب. في أسفل الرسم: «٣، ٤، ٥». عرفها فورًا: ثلاثية فيثاغورس. ضغط بالأصابع حيث يتقاطع «٣» مع «٤»، فانفتح القرص النحاسي نصف فتحة، ثم انغلق.
احتاج رقماً ثانيًا. في الهامش كتب بخطّ صغير: «اجمع زواياك التي رأيتها في الماء». تذكّر المثلث/السهم المنعكس فوق النافورة. إن كان المثلث قائمًا، فالزوايا 90°، 53° تقريبًا، و37° تقريبًا. مجموعها 180°. لكن لماذا «زواياك» بالجمع؟
وضع الأرقام 90-53-37 على القرص، بترتيب الانعكاس (من اليسار إلى اليمين كأنه مرآة). هذه المرة، استدار القرص نصف دورة وانفرج الباب صامتًا.
🔐 كشف الحل (مقفل بكلمة سر)
5) بيت الزاوية الحيّة
الداخل متحف مصغّر: رسومات أدوات ملاحة، بوصلة بحرية تعود لقرن مضى، خرائط، ولوحة زيتية لرجل بعيون تنظر خارج اللوحة. تحت اللوحة صندوق زجاجي صغير يحوي ساعة جيب منقوشة بنجمة ثمانية، وبطاقة كُتب عليها: «لا وقت للوقت إلا حين يتوقّف».
على الطاولة، دفتر جديد: «حول الأعداد التي تُخفي أسماء». قلب الصفحة:
كتب «نورس» ثلاثة أسماء تظهر في المكان: «زاوية»، «دوحة»، «نورس». استخدم ترقيمًا بسيطًا عربيًا للأحرف (أ=1… ي=10… وهكذا مع تتابع). جمع قيم الأسماء، ثم قسّم على عدد منافذ البحر المذكورة في مخطوطة سابقة (3 منافذ). خرج الرقم 11 تمامًا. ابتسم: «الطريق آمن».
لكن الطريق إلى ماذا؟ في الركن صندوق خشبي صغير عليه قفل أرقام. تحت القفل عبارة: «العين لا ترى إلا ما تعلّمته.» تذكّر ساعة الجيب ذات النجمة الثمانية. أدار مؤشر الساعة إلى الثامنة، ثم أدخل «٠٨١١» في القفل (08 للنجمة، 11 لإشارة الطريق). انفرج القفل وانسحب الغطاء.
داخل الصندوق مخطوطة قصيرة: «الذي تبحث عنه ليس هنا. من أرسل الرسالة لا يسكن بيت الزاوية. إنه خصمٌ يرى في العلم مرآة للهيمنة. ستجده حيث تنتهي الخرائط… وتبدأ المتاهة.»
6) الأثر الذي يرفض أن يكون أثرًا
في أسفل الصندوق، وُجدت قصاصة دقيقة جدًّا كُتب على هامشها: «إذا كان مجموع الأعداد الأولى السبعة ٢٨، فاقسمه على عدد الأبواب المخفية في هذا البيت». بحث «نورس» في الجدران، تحسس تجاويف صغيرة في الإطار الخشبي؛ أربعة أبواب مخفية صغيرة (أقفال أدوات). ٢٨ ÷ ٤ = ٧. الرقم سبعة يشتعل من جديد.
على لوحة الحائط سبع نقاط نحاسية مصطفّة. ضغطها بالترتيب من اليمين لليسار؛ انزاحت اللوحة كأنها شراع، فانكشف حُفَير عميق فيه درج حجري ضيق يهبط إلى قبو رطب.
القبو ليس مخزنًا. كان كشكفًا مموهًا. على الحائط خريطة بحرية قديمة وعليها ختم ذهبي لجهة بحثية حديثة. «هذا ليس إرثًا قديمًا… هذا اصطيادٌ للحاضر».
🔐 اللغز الثاني: «الميل الذي يقود»
7) الذي في الظلّ ليس دائمًا بريئًا
خرج «نورس» من البيت قبل الغروب بقليل. مرّ على المرفأ المهجور حيث تصطف مخازن صامتة انكسرت أبواب بعضها. كان الهواء مشبعًا برائحة ملح قديم وزيت آلات نائم. على إحدى الجدران رُسمت نجمة ثمانية كالتي على ساعة الجيب، وفي مركزها الرقم (7).
اقترب يسمع خشخشة خفيفة. من بين الصناديق ظهر شخص بملامح حادة، يحمل حقيبة سوداء صغيرة. خاطبه بنبرة لا تخفي خبرته: «كنت أعلم أن أحدهم سيفك ألغاز البيت. لكن ليس بسنك. ما اسمك؟»
لم يجب «نورس». حدّق في انعكاسه على زجاج الحقيبة: انعكاسٌ يُظهر خلف الرجل ظلاً ثالثًا لا يخصّهما. التفت بغتة. لا أحد. عاد إلى الحقيبة: الانعكاس أقرب إلى رسمة منه إلى صورة. «مرآة أخرى… لكنها مرآة مفتعلة.»
تابع الغريب: «أنا مجرد ساعي. أُوصل رسائل، وأمشي. الرسالة الحقيقية ستصلك حين تصل إلى «حيث تنتهي الخرائط».» ترك الحقيبة على الصندوق ومضى بخطوات لا أثر لها… كأنه تمرن طويلًا على محو نفسه من الرمل.
8) الحقيبة التي تتنفس
فتح «نورس» الحقيبة بحذر. ليست مليئة بالمال ولا بالخرائط. جهاز صغير يشبه قارئًا بصريًا، وقرص معدنيٌّ رقيق، وبطاقة تعريف كتب عليها «مخبر-طيف». وضع القرص على سطح الصندوق؛ ارتفع قليلاً كأنه يطفو. أدار الجهاز فأصدر خفقة ضوء قصيرة، فظهرت على الخشب كتابة مخفية بالحبر غير المرئي: «الذي تبحث عنه يختبرك. إذا فشلت في قراءة الضوء، ستضلُّك الظلال.»
قرأ الجملة مرتين. «الضوء» و«الظلال» يعودان دائماً. في زاوية الحقيبة ورقة مطوية فيها جدول صغير لمعاملات انعكاس على أخشاب مختلفة. وضع ضوء الهاتف بزاوية 37° تقريبًا كما فعل عند النافورة؛ الحروف المخفية ازدادت وضوحًا: «اتبع السابعة، ثم اقسم الدرب إلى ثلاثة أقواس متساوية، وادخل عند الثانية».
«السابعة؟» النجمة ذات الأضلاع الثمانية تُشير إلى الضلع السابع إذا بدأ العد من العلامة السفلى. في الأرض بلاطات حجرية مثقبة صغيرة تشكّل قوسًا. قاس بخطواته القوس الكامل، ثم قسمه إلى ثلاثة أقواس متساوية؛ عند نهاية القوس الثاني، وجد حلقة حديدية متآكلة تُخفي تحتها مزلاجًا ينفتح بسلاسة مريبة.
تحرّك لوح الأرض، مكشفًا عن درب ضيق نحو ممر سفلي. في الداخل رائحة ماء بحر قديم. نزل «نورس» ثلاث درجات، ثم توقف: في الجدار إشارة نحاسية دائرية عليها مقطع شعري: «ليس كل باب يُطرق، بعض الأبواب تُقرأ». مرّر إصبعه على الحروف؛ ارتجت الدائرة وصدرت نقرة خفيفة.
انفتح شقّ في الجدار نحو غرفة صغيرة بلا نوافذ. وسطها منصة زجاجية تعلوها زجاجة عطر فارغة، وبجانبها رسالة:
شمّ الزجاجة. رائحة خشب الأرز ممزوجة بملح البحر ولمسة حمضيات دقيقة. ابتسم: «هذه رائحة أرشيفيّة، لا تُباع في المتاجر. تُستخدم لحفظ المخطوطات من الرطوبة.» إذن خصمه لا يبحث عن كنز تقليدي؛ إنه يطارد المعرفة ذاتها.
9) قبل أن تنتهي الخرائط
خرج «نورس» من الممر ليلاً. السماء قُماش داكن تُثقبه نجوم متفرقة. حمل الحقيبة، والقرص المعدني الذي يهتزُّ قليلاً إذا اقترب من النحاس، والجهاز الصغير الذي يحوّل الضوء إلى دليل. اتخذ طريق البحر. عند طرف الرصيف، لوحة تحذير قديمة: «بعد هنا تنتهي الخرائط».
مدّ الجهاز نحو البحر. ومضة قصيرة، ثم ظهرت على صفحة الماء خطوط رفيعة كأنها خيوط فسفورية ترسم مسارًا واحدًا نحو صخرة معزولة. ضحك ضحكة قصيرة: «خرائط الضوء لا تنتهي، نحن الذين نتعب من متابعتها.»
سمع وقع خطوات. شخص ما كان يراقبه من بعيد. التفت فلمح ظلًا يذوب في سواد الليل. ثم رن هاتفه مجددًا بنغمة الرسالة الأولى.
أغلق الهاتف، ووضعه في جيبه، وتقدّم خطوة نحو المجهول… إذ ليس في الحكايات الكبيرة متسع للتراجع بعد أن تُضاء أول شرارة.
تنويه: لإظهار الحلول التفصيلية للألغاز داخل هذه الحلقة، اطلب كلمة السر من نموذج اتصل بنا وسيتم إرسالها إليك. الكلمات المعتمدة لهذه الحلقة: النبراس-1 والنبراس-2. يمكنك تغييرها قبل النشر باستبدالها في أزرار الكشف أعلاه.
