"الدولة العثمانية هي سبب تخلفنا وفسادنا و خرابنا وجهلنا واستعمار الغرب لنا"
هذه المقولة نسمعها كثيرا من منتسبي القومية العربية.
لكن ارجو منكم ان تقرأوا وتنتبهوا جيدا لكل كلمة كتبت في هذا المقال التالي وبعين الناقد وبكل موضوعية، بعدها ستكتشفون أن مصيبة العرب هم أنفسهم سواء كانوا خليجيين أو شاميين أو مصريين أو مغاربة كلهم ساهموا في التخلف الذي نحن فيه وليس الأتراك وحدهم.
لعبت نشأة كمال أتاتورك والفصل العرقي بين العرب و الأتراك وتاريخ الحرب العالمية الأولى دورا كملا في صياغة موقف الجمهورية التركية من العرب عبر الحرص على امتلاك أراضي ربما تكون عربية بسكانها دون النظر لحقوق تلك البلاد والعلاقات الديبلوماسية الكاملة دون الانخراط في مشكلات الشرق و الانفصال الثقافي عن الشرق باعتباره أرض ميتة والارتباط بالحداثة الأروبية والعلوم الغربية، لم يكن الأمر له أسباب دينية أو غيرها كما يردد لكن وليد تراكمات عبر قرون من الصراع العربي الأعجمي إن جاز التعبير ترجم لاحقا لقوميات متعددة واحدة بتركيا تنظر للغرب و أخرى ببلاد العرب تنظر للماضي.
أتاتورك و العرب قبل الجيش
نشأ كمال أتاتورك في صالونيك بالدولة العثمانية (اليونان الآن) في حي الأتراك المسلمين بالمدينة المقيمة بين يهود يشكلون نصفها و مسلمين و مسيحيين يشكلون النصف الآخر، وجد بينهم يونانيين وأرمن وكل الأعراق إلا العرب فلم يكونوا هناك، نشأة كمال أتاتورك لم تعطه فكرة أو تصور عن العرب إلا مما درس عن ظهور الإسلام في صباه فقط لبضعة شهور فالحاجز الأول بينه وبين العرب كمن طبيعة الدولة التركية الإمبراطورية التي اعتبرت العرب عرق خاضع لها كالأرمن و اليونانيين و الكرد بغض النظر عن وحدة الدين في الغالبية فالعرب مجموعة متمردة أخضعها الأتراك منذ عقود وقليلا ما خالطوهم في أراضي تركيا أو أوروبا، نشأة كمال أتاتورك حذفت منه الرؤية العربية تماما فلا يعرف منها إلا الأبجدية العربية الفارسية التي يكتب بها فقط وقليل من القرآن و الدراسة التارخية، كون هذا الأمر حاجزا بين معرفة أتاتورك قبل دخوله المدرسة العسكرية وهو بعد صبي وأي شيء عن العرب أو التعامل مع عربي ما كما عامل غيره من اليهود و الرهبان الفرنسيين و غيرهم.
أتاتورك و العرب في الشام
كانت أولى خطوات تعارف أتاتورك والعرب سلبية للغاية إذ تعرض للنفي من تركيا للشام كعقاب على تورطه في عمل سياسي مناهض للسلطان المستبد عبد الحميد الثاني، كانت الشام أسوأ تجربة للتعرف على العرب يمكن تخيلها فأتاتورك ضابط صغير يذهب لبلاد فقيرة مليئة بالفساد من الطرفين العربي والضباط، سوء الأحوال وتفشي الأمراض والفساد المالي و الجهل كانا أول صورة كونها أتاتورك عن العرب.
التعارف الأول بين أتاتورك و العرب كان أكثر من سلبي فوجه إستانبول المشرق وذكريات صالونيك البهيجة لم تكن في محل مقارنة مع جحيم الشام عام 1906 حينما ذهب هناك.
أتاتورك و العرب في ليبيا
عاد أتاتورك لاحقا للشام لكن الموقف هذه المرة كان كارثيا، مع الغزو الإيطالي لليبيا سنة 1911 تطوع عدد من الضباط الأتراك(للجهاد) هناك باعتبارها جزء من الخلافة، حين ذهب أتاتورك لليبيا كان غاضبا ففي رأيه ليبيا لا قيمة لها وبعيدة بينما الخطر الحقيقي على الأرض العثمانية الغالية بأوروبا المهددة ومنها صالونيك نفسها، عندما ذهب لم يجد وسيلة مواصلات لليبيا بحريا لعدم وجود أسطول عثماني حقيقي واقتصاره طراد واحد فقط يسمى الحميدية، عبر الطريق البري مر بمصر وفوجئ بأن إنكلترا تعلن مصر محايدة فتضاعف الغضب فبلد من الخلافة يعلن نفسه محايد ويمنع مرور ضباط الخلافة لبلد آخر تابع للخلافة محتل، وصل الى ليبيا بمعجزة ليتفاجأ بواقع مزري فليبيا مشتتة القوة بين قبائل تتربح من الحرب و ترتزق منها لا تحب الأتراك ولا تعرف شيء عن العسكرة،
وجد ليبيا محل عرض أكثر من كونها محل صدام و مع هذا أدى دوره بكفاءة في معركة درنة التي قادها وانتصر فيها وفي معركة طبرق حيث أصيب ليعرف لاحقا بالخبر الكارثي بإعلان تحالف البلقان الحرب والسيطرة على كامل ممتلكات الدولة العثمانية بأوروبا وعلى رأسها صالونيك، كانت ليبيا ثاني محل للتشابك العربي مع أتاتورك وكانت ممتلئة بالمتاعب منعدمة الفائدة والمظهر القبائلي الفاسد ماليا والضياع العسكري فلم تكن مصر وليبيا أفضل حال من الشام لديه وتسببت ليبيا في رأيه في ضياع الأراضي الأوروبية الهامة للعثمانيين.
أتاتورك و العرب في الحرب الكبرى
عمليا كانت الحرب العالمية الأولى أفضل سجل عسكري لأتاتورك بين الدردنيل والقوقاز لكن حينما نتكلم عن المناطق العربية فهي كارثية كالمعتاد، مع توليه قيادة الجيش السابع المنشاء حديثا عام 1917استمر شهرين ثم غادر غاضبا لخلافات دارت مع القيادة بالفيلق الألماني النمساوي بخلاف مشكلات مع أنور بيك وزير الحربية التركي. عاد اتاتورك من جديد عام 1918 قائدا للجيش التركي افتراضيا فقط هو نفس الجيش السابع في نهايات الحرب مع وضوح الهزيمة ليكون دوره عمليا تحمل مسؤوليتها فقط، كان العرب هنا متحالفين مع الإنكليز علنا ويقاتلون الاتراك الى جنبهم بضراوة، ونضرب مثال ذلك قتلى الاتراك في الأردن والشام لدرجة ان العرب هم من دخلوا دمشق ثم دخلها الإنكليز مما صنع صورة قذر عن العرب في ذهن اتاتورك .
أتاتورك الرئيس و العرب
مع تولي أتاتورك الرئاسة رسم خط العلاقات مع العرب فتركيا بلد سلمي ولا يقاطع أحد بل يحرص على العلاقات السلمية الودية مع الجيران بخلاف أنه لن يتواصل معه ثقافيا ولن ينخرط بمشكلاتهم أو ان يعتبر نفسه وصي على أحد بخلاف كونهم خانو الأتراك فهم لا يرحبون بأي نفوذ تركي ببلادهم العربية ، كانت مشكلة أتاتورك مع العرب هي الحدود فعقد علاقات قائمة على مبدأ سلام سلام، سلام بالعالم سلام بالوطن. ولكن حرص أتاتورك على العلاقات التجارية بينه و بين العرب وإعلاء المصلحة التركية فقط.
التسميات :
ثقافة

عن عرب أتحدث وليس مسلمون
ردحذف