«وكأن قلبي كربلاء» — قراءة في ديوان ناجح شواري

مقال نقدي-تأملي وصفي، بقلم: [عادل عمار] — ديوان: وكأن قلبي كربلاء للشاعر ناجح شواري. مصدر النص: ديوان الشاعر (pdf) المرسل من صاحب المدونة.


الشاعر ناجح شواري
الشاعر ناجح شواري أثناء إحدى الأمسيات الشعرية.

مقدمة: الشعرُ كمرآةٍ لِذاكرةٍ مجروحة

الشعر هنا لا يكتفي بوصف عالمٍ ما أو رقصة مشهد؛ بل هو أداة ذاكرة، نُصّ مُستعصٍ على الصمت، وسؤالٌ دائم عن الحضور والغياب. في ديوان «وكأن قلبي كربلاء» يتجلّى هذا السؤال بأبعاد متعددة: سياسيّة، وجدانية، وطنية وإنسانية، حيث تتحاور الصور الشعريّة مع ذاكرةٍ تاريخيّة وشخصيةٍ مجروحة لتنتج صدىً صوتيًّا مكثّفًا.

الاسم والكتابة: من هو ناجح شواري؟

سرد النصوص في الديوان يكشف عن صوت شاعري يتقن المفارقة بين الخصوصيّة العامّة، وبين صوتٍ فرديٍّ يختزل أمكنةً ووجوهًا. لا نُقدّم هنا سيرةً مفصّلةً خارج الديوان، بل نقرأ الشاعر من خلال نصّه: صوته المتصالح مع الألم، المتشبّع بذاكرة المكان، والذي لا يتورّع عن الانزياح إلى خطابٍ اجتماعيّ وسياسيّ حين تستدعيه الحاجة.

العنوانُ ودلالاته: «وكأن قلبي كربلاء»

اختيار عنوانٍ يحمل اسم «كربلاء» ليس صدفةً دلاليّة؛ فالكلمةُ مثقلةٌ بذاكرةٍ للوجع والتضحية والمشهد الأسطوريّ للرثاء المقاوم. عندما يقول الشاعر: «كربلاءكربلاء / باب المحطة مغلق / لها والقلب مفتوح» تتكوّن صورةٌ مزدوجة: إغلاقٌ في الخارج (محطات، حدود، مصائر مغلقة) وافتتاحٌ داخليّ للقلب يرفض الانغلاق؛ قلبٌ يحتفظ بالذبيحة والذكرى والحركة الباطنية للثورة/المناجاة. هذه التوازيات تظهر مرارًا في نصوص الديوان وتعيد تحويل الألم إلى معرفةٍ شعريّة حارّة.

ثيمات رئيسية في الديوان

  • الوجع السياسي والذاكرة الوطنية — يظهر بوضوح في إهداءاتٍ ونصوصٍ تحمل إحالةً إلى أحداث معاصرة (مثل الذكرى أو الإهداء إلى شخصيات)، فتتقاطع المعرفة الشخصية مع التاريخ الجماعيّ.
  • المنفى والحنين — تكرّ حالات الهجرة والغربة، والحنين لأجساد الأماكن: «أرضي»، «الجزيرة الخضراء»، «ساحة برشلونة» وغيرها من محاور المكان التي تفتح مساحات سرديّة داخل القصيدة.
  • الحبّ والوجود — عشقٌ لا يَكتفي بالحبّ الرومانسيّ، بل يتحوّل إلى سؤالٍ عن البقاء والهوية، وإعادة بناء الذات من ثنايا الغياب.
  • الرمزية الدينية والأسطورية — رموز مثل «كربلاء» أو استدعاءات التراث الدينيّ تُستخدم ككيمياء تأملية لإعطاء النص وزنه الوجودي.

مثال من الديوان يجمَع هذه الأبعاد: في بعض المقاطع يكتب الشاعر عن الأطفال، عن الحلم، وعن فقرٍ يُقابله قصور؛ هذا التقابل بين طفولةٍ تريد غدًا أفضل وبين واقعٍ قاسٍ يجعل القصيدة مسرحًا للوصية والنداء.

اللغة والأسلوب: بين الرمزية والبلاغة الحيّة

اللغة في الديوان ليست «زخرفة» بل أداةُ تشكيلٍ للصوت. الشاعر يستفيد من تكرارٍ إيقاعيّ، واستعاراتٍ صنعت لوحاتٍ مشهدية: النخيل والبحر والمحطة والقبور — كلها عناصر متحركة داخل قصائده. كثيرًا ما يتحوّل السرد إلى موشّحٍ تأمليّ يُعانقُ الخشونة والرشاقة في آنٍ معًا.

الأسلوب يميل إلى التراسل بين الصورة والصرخة: فمقاطعٌ قصيرة ومتقطعة تضيف وقعًا إيقاعيًّا، ومقاطعٌ طوليةٌ تمدّ الزمن الشعريّ، فتبدو القراءة بمثابة رحلةٍ متدرجة بين هدأة الذكرى وهتاف العتاب.

مقاطعٌ تستحقُّ الوقوفَ عندها

«قد كنت لونك حين ضيّعني … ثم ترجع… دم موريسكي يخالطه بنفسج حزني القديم»

(مقطعٌ يحوّل الحزن إلى لوحة لونيةٍ مزدوجة: ذاكرة لونٍ وهويةٍ متداخلةٍ مع تاريخٍ شخصيّ ومشترك.)

ومقاطعٌ أخرى تُظهر حسًّا بالمسؤولية التاريخية: اشتباك الشاعر مع الواقع السياسي والاجتماعي بمرارةٍ لا تفقد القصيدة إنسانيتها. وفي نصٍ مُوجَهٍ بصورةٍ مباشرة نجد التكرار البنيوي كآلةٍ لصياغة الحِداد والذكرى.

التفردُ والأصالةُ في الصوتِ الشعريّ

هنا لا نتحدث عن تقليد مدارسٍ سابقةٍ فحسب، بل عن امتلاكِ نبرةٍ شخصيةٍ تعرف كيف تجعل من الألم مادةً جماليةً متمايزة. يلازمُ القصيدةُ عنصران أساسـيّان: صدقُ التجربة وبراعةُ التصوير؛ يتداخلان ليكوّنا نصًا يبدو وكأنه مأخوذٌ من ذاكرةٍ جماعيةٍ ولكن بصيغةٍ فرديةٍ مدهشة.

بالرغم من بعض اللحظات التي تميل إلى البلاغة الزائدة، فإنّ الاتكاء على الصور الحسية والمشاهد المعبّرة يعوّض أيّ ثقلٍ لغويّ ويفتح النص على قراءاتٍ متعددةٍ (شخصية، تاريخية، اجتماعية).

لمن يصلح هذا الديوان؟

للقارئ الذي يبحث عن شعرٍ لا يكتفي بالجمال اللفظيّ فقط، بل يريد تجربةً شعريةً تشبهُ «قراءة حياةٍ»؛ لِمن يهتمُّ بتقاطعِ الشعر والسياسة والذاكرة؛ ولِمن يحبُّ اللغةَ المتّصلةَ بالجسد والمكان. كما يصلح كمادةٍ دراسيةٍ للشعر المعاصر الذي يشتغلُ على القضايا الوطنية والإنسانية في آنٍ واحد.

خاتمة: قراءةٌ مفتوحة

ينتهي الديوان لكنه يتركُ الكثير من الأسئلة التي تدعونا للعودة. «وكأن قلبي كربلاء» عملٌ شعريٌّ يتكوّن من رثاءاتٍ عديدة: رثاء للزمن، رثاء للأماكن، ورثاءٌ لذواتٍ تفقد شيئًا من بريقها، وتستعيده بخطابٍ يرفض النسيان. إنّه ديوانٌ يدعو القارئ إلى إعادة النظر في معنى الحزن والثورة والحبّ، ويؤكّد أن الشعر باقٍ كقلبٍ مفتوحٍ، حتى عندما تُغلق المحطات.

ملاحظة للنشر: النصوص الشعرية المشار إليها مأخوذة من ديوان ناجح شواري (النسخة المرسلة بصيغة PDF). للاستشهاد المباشر من القصائد أو لنشر مقاطع، يُنصح بالحصول على إذن المصنف أو صاحب النسخة عند الاقتضاء.

للتحليل المفصل للابيات الشعرية انقر على الروابط التالية.

📌 اقرأ أيضًا: تحليل قصيدة: «إلى شقيقتي ورفيقتي وفقيدتي للا جَميلة... 📌 اقرأ أيضًا: تحليل قصيدة: «أمّاه أيتها الأرض…»... 📌 اقرأ أيضًا: تحليل قصيدة: كم جميل أن نكون رفقاء…»...

إرسال تعليق

أحدث أقدم

إعلان أدسنس أول الموضوع

إعلان أدسنس أخر الموضوع