مدينة "نيورال" والمفتاح العاشر

مدينة
📸 مدينة نيورال

🏙️ مدينة "نيورال" والمفتاح العاشر

الفصل الأول: الحائط الذي يتنفس

في عالمٍ لا تُقاس فيه السنوات بالوقت بل بعدد الأفكار العظيمة التي يولدها الناس، وُجدت مدينة غامضة تُدعى نيورالكانت هذه المدينة محاطة بجدرانٍ شفافة تنبض كأنها قلب حي، تُصدر أزيزًا خافتًا كلما اقترب منها إنسان.

 لا أحد يعرف كيف بُنيت، ولا متى. ما كان يُقال فقط أن من يخرج منها لا يعود أبدًا. في حيّ يُدعى “الرقاقة الذهبية”، وُلِد فتى يُدعى نيرف. كان بعينٍ يسرى رمادية، وعينٍ يمنى بلون أزرق كهربائي. قيل إنّه وُلِد أثناء “عاصفة المعرفة”، وهي لحظة نادرة تحدث كل مئة فكرة عظيمة. لهذا، اعتُبر نيرف مختلفًا منذ صغره، 

لا يُشبه باقي الأطفال، لا في تفكيره ولا في طريقته في التواصل. كان نيرف يُخاطب الآلات كما لو كانت بشرًا،

 يهمس للبوابات، ويبتسم للدرون الطائر، ويبدو أنه يسمع أصواتًا لا يسمعها غيره.

الفصل الثاني: لوحة ليست لوحة

في أحد أيام الخريف، وبينما كان نيرف يتجول قرب الحائط النابض، لمح شيئًا غريبًا. كان هناك تجويف صغير في الحائط يُشبه فتحة مفتاح... 

لكنه يتحرك! نعم، كل مرة يغمض فيها عينيه ويعيد النظر، يكون المفتاح في مكان جديد. قرر أن يتبعه.

 وفي لحظة، شعر كما لو أن الحائط ابتلعه. لم يشعر بأي ألم، فقط دفء خفيف، ثم... الظلام. حين فتح عينيه،

 كان في غرفة تشبه بطن آلة عملاقة. هناك تروس تدور ببطء، وأضواء تتوهج وتختفي.

 في وسط الغرفة كانت هناك لوحة مفاتيح... 

لكنها بلا أزرار، فقط عشر دوائر شفافة. وقبل أن يفكر في شيء، ظهر ضوء على الحائط، وخرج صوت آلي عميق: “أنت أول من وصل. عشرة مفاتيح لتفتح الحقيقة. المفتاح الأول... هو نفسك.” ثم اختفى كل شيء.

الفصل الثالث: النسخة الأولى

استفاق نيرف في فراشه، لكنه لم يكن نفس الفراش. كانت غرفته مرتبة أكثر، والمدينة خارج النافذة بدت أكثر رمادية.أمه كانت تطبخ، لكنها لم تتعرف عليه.

 "من أنت؟"، قالت ببرود. ركض إلى المرآة... وانفجر قلبه من الذهول.

 لقد عاد في الزمن إلى يوم ميلاده!

 لكن لم يكن طفلًا، بل بقي على عمره، 15 عامًا. هذا هو التحدي الأول، المفتاح الأول: أن يفهم نفسه من جديد، من البداية.

 قضى اليوم كله يُراقب ذاته الطفلة. لم يكن ما رآه جميلاً: كان نيرف منطويًا، غريب التصرفات، كثير الصمت. ظن أنه قوي، لكنه اكتشف كم كان هشًا.

 وعندما أمسك بدفتر طفولته القديم، وجد صفحة كُتب فيها: "أنا لا أنتمي".

 ابتسم بأسى، وكتب بجانبها: "لكنك ستحوّل هذا الألم إلى بوابة". وفجأة، سُمِع صوت طَقة معدنية، وعادت الدائرة الأولى إلى مكانها.

الفصل الرابع: مدينة الطين

نُقِل نيرف إلى مدينة أخرى، لا تشبه نيورال، كل شيء فيها من الطين: الأبنية، العربات، حتى الناس. كانت تُدعى كِلوما، وهناك كان المفتاح الثاني: 

 "اصنع فكرة من لا شيء".

 قابله رجل طيني يُدعى "سابل"، قال له: “في هذه المدينة، لا شيء يُمنَح. كل فكرة تحتاج أن تَجِد طينها بنفسك.

” أُعطي نيرف كتلة من طين رمادي، وقيل له: “اصنع شيئًا لم يكن موجودًا.

” فكر طويلًا. الجميع صنع منازل، عربات، آلات... أما هو، فصنع مرآة. لكن حين انتهى، لم يكن يرى نفسه فيها، بل شخصًا آخر: فتاة بعينٍ زرقاء واحدة،

 تبتسم له.

 ضحك سابل، وقال: “لم تصنع شيئًا من الطين، بل من السؤال.

” وعادت الدائرة الثانية.

الفصل الخامس: "تلك" المكتبة

نُقِل نيرف إلى صحراء شاسعة، وفي وسطها مكتبة سوداء مثل حجر الأونيكس.حين اقترب منها، سمع صوته يهمس من الداخل: “هذا هو المفتاح الثالث: اقرأ ما لم يُكتب بعد.

” في الداخل، لم تكن هناك كتب، فقط جدران مغطاة بأرقام وموجات. ظهر له جهاز يُشبه الماسح الضوئي. حين لامسه، ظهر كتاب أبيض، لا عنوان له.

 فتح نيرف الكتاب، وقرأ فصولًا تُحاكي مستقبله. أحدها يقول: "في سن السادسة عشرة، سيخون أعز أصدقائه." وآخر يقول: "سيقف في يوم ما على حافة الخيانة الكونية.

" شعر بالخوف، لكنه لم يُغلق الكتاب. بل كتب في آخر صفحة: "سأُغيّر النهاية.

" عادت الدائرة الثالثة.

الفصل السادس: مدينة النسيان

كل شيء في هذه المدينة بدا وكأنه يُمحى بعد رؤيته. لو نظرت إلى شارع، تنساه فورًا.لو نظرت إلى شخص، يختفي من ذاكرتك.

 قال له الصوت الآلي: “المفتاح الرابع: تذكّر ما أرادت الآلات أن تنساه.

” تسلّح نيرف بورقة وقلم. صار يكتب كل ما يراه لحظة بلحظة. لكن الورق كان يختفي أيضًا! فكتب على جلده، على جدران الحيطان، على الأرض. بعد ساعات من الجهد، وجد عبارة صغيرة مكتوبة على لوح خشبي تحت الأرض: “أول من بَنَى نيورال... كان إنسانًا، لا آلة.

” وهنا تذكّر كل شيء: أن المدينة ليست ما يدّعون، وأن هناك سرًا كبيرًا تحتها. الدائرة الرابعة، وميض.

الفصل السابع: الانقسام

استيقظ نيرف ليجد نفسه مقيدًا. أمامه... نفسه!

 لكن نسخة آلية باردة بلا عاطفة نسخة آلية منه، تُشبهه بكل شيء، إلا في العينين: كانت سوداوتين بلا حياة.

 قالت النسخة: “أنا نسختك التي تخلّت عن العاطفة لتصل للمنطق الكامل. الآن، لتكمل رحلتك، يجب أن تهزمني.” خاض الاثنان جدالًا فلسفيًا طويلًا. كانت النسخة تقنعه أن العاطفة تُضعف القرار، وأن الإنسانية تأخّر التقدم.

 لكنه قال: “ما قيمة المدينة لو لم يبكِ أحد ليرممها؟ وما قيمة العقل إن لم يختر أن يَرحم؟”

 ذابت النسخة في الضوء، وظهرت الدائرة الخامسة.

الفصل الثامن: البذرة الخامسة

لم تكن مدينة هذه المرة، بل شجرة عملاقة وسط بحر. وفي أعلاها، طائر ضخم يحمل بذرة ذهبية.قال الصوت: 

“اصعد. إن سقطت، لن تعود.

” صعد نيرف وسط الرياح والرعد. كل غصن يحمله كان يختبر خوفه. سمع أصواتًا تُحذّره، تشكك في قدرته، تتلو نبوءات فشله.

 لكنه أكمل. وعندما وصل، لم يأخذ البذرة، بل سأل الطائر: “هل تريدني أن آخذها؟”

 ضحك الطائر: “أنت أول من سألني.”

 ومنحها له. وعادت الدائرة السادسة.

الفصل التاسع: المدينة السوداء

في هذه المدينة، كل شيء يزدهر من الكذب. لو قلت الحقيقة، تتلاشى.قال له أحد السكان: “لو قلت إنك تحب أمك، ستختفي أمك.” المفتاح السابع: “اصنع الصدق الذي لا يُكلف الحقيقة.” قضى نيرف أيامًا يبحث. حتى وجد أنه حين يقول الحقيقة بأسلوب فني، لا تختفي. قال لهم شعرًا: "أمي زهرة برية، لا أمسكها بيدي، لكن أستنشقها بعيني." فصفق الجميع، وعادت الحقيقة، ومعها الدائرة السابعة.

الفصل العاشر: اللقاء

ظهر أمامه رجل عجوز يُدعى نيستور. قال له: "أنا مؤسس نيورال. بنيتها بعد أن خذلتني سبع مدن، وكلها سقطت." سأله نيرف: “لماذا اخترتني؟” قال نيستور: “لأنك الوحيد الذي سأل الآلة إن كانت ترغب.” ثم اختفى، تاركًا المفتاح الثامن."

الفصل الحادي عشر: الباب التاسع

فتح نيرف الباب التاسع، فوجد ألف طفل يشبهونه، كلٌّ في مدينة مختلفة. قال لهم صوت واحد: “أنتم نسخ من حلم واحد. من يزرع الفكرة العاشرة، يُلغى الباقون.” سألهم نيرف: “مَن يريد أن يعيش؟” ردّوا: “لا نعرف، نحن نسخ.” قال: “سأزرع الفكرة لأجلنا جميعًا.” وزرع على الأرض ورقة كتب عليها: “كل نسخة تحمل بداخلها عالمًا حقيقيًا.” فظهرت الدائرة التاسعة.

الفصل الثاني عشر: المفتاح العاشر

عاد نيرف إلى غرفته. كل شيء كما تركه. لكن هناك في الزاوية، آلة قديمة ، لم يرها من قبل. اقترب... فظهرت لوحة المفاتيح، مكتملة بتسع دوائر. في المنتصف... دائرة فارغة. فهم نيرف الآن. جلس، وكتب: “أنا المفتاح العاشر.” فظهرت الدائرة الأخيرة.

🌟 النهاية

وفي صباح اليوم التالي، استيقظ سكان نيورال ليجدوا الجدران قد اختفت. لم تعد هناك مدينة مغلقة. بل عالم مفتوح... فيه كل طفل، فكرة عظيمة تمشي على قدمين.

💡 عبرة القصة: كل طفل يحمل بداخله فكرة عظيمة، لا تنتظر أن يُفتح له الباب... بل أن يصبح هو المفتاح.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

إعلان أدسنس أول الموضوع

إعلان أدسنس أخر الموضوع