دخان الصباح — سلسلة قصصية من كواليس نزل «الواحة الكبرى»
فهرس الفصول
1) دخان الصباح
كان نزل "الواحة الكبرى" المطلّ على هضاب قمرت يشهد كل صباح حركة ناعسة، حيث تتسلل الشمس بتؤدة عبر النوافذ الزجاجية الطويلة، فتنعكس على أرضية من الرخام الأبيض المصقول، كأنها لوحة فسيفساء حية. في هذا الهدوء، كان الثعبان الأسود، المقتصد العام، يتجول ببدلته السوداء التي لا يعرف عنها سوى لونها الداكن وعيونه التي لا تبتسم.
هذا الرجل لم يُعرف عنه سوى الغموض والصرامة. لكن من تحت ذلك الوجه المقفل، كانت هناك شبكة من العيون والآذان، شبكة من "الطحين" كما يُعرف في أوساط العملة، أولئك الذين اختاروا أن يتاجروا بالأسرار مقابل الرضا الوظيفي أو حماية موهومة من الطرد.
2) الشيخاوي.. سدّ الحكمة
في قلب المطبخ، كانت حرارة المواقد أقل حدة من حرارة الهمسات التي تتطاير هنا وهناك. لكن الشيخاوي، رئيس الطباخين، رجل ستيني هادئ القسمات، كانت له قدرة عجيبة على إسكات العواصف.
كان يقول: «من يفتح باب الوشاية يغلق ألف باب من الثقة، ولولا الثقة لانهارت الجدران قبل الأسقف».
لطالما نجح الشيخاوي في إخماد نار الحقد قبل أن تستعر، وفي مرّات كثيرة، وقف حائلًا بين زميل وباب الطرد.
3) «الوفي» على حافة السقوط
الوفي، عامل المراقبة الشاب، كان ذكيًا ويملك حدسًا قويًا. لكن حماسته للعمل جعلته يقف على حافة هاوية لا يراها. تقرّب من شلة من "الطحانين"، وكان يظن أن تقاريرهم الدقيقة وسرعتهم في إيصال "الأخبار" علامة على الولاء للمؤسسة.
لكن "الدمار"، رئيس المراقبة، رجل صارم، لا يتحدث كثيرًا إلا عندما يحتاج الكلام أن يُقال، رآه من بعيد وقال له ذات مساء: «أن تسمع فلا بأس... لكن إن بدأت تتكلم، ستتحول من مراقب إلى خائن».
حينها فقط، انتبه "الوفي" إلى أن العيون لا تراقب فقط السارق، بل تراقب من يبلّغ أيضًا.
4) صالح الجليطي.. العملاق الساذج
كان صالح سائق المقتصد، رجلًا ضخم الجثة، قليل الفطنة، يحمل في عقله ما يُحمل في صدر طفل. كان يصدّق ما يُقال دون أن يراجع أو يتثبت. في أحد الأيام، سمع حديثًا عابرًا من أحد "الطحانين" عن سرقة مزعومة في مخازن التغذية.
هرع إلى الثعبان الأسود وأخبره بتفاصيل لا يعرفها إلا الله. في اليوم التالي، طُرد عاملان من المطبخ ظلمًا. وحين واجههما الشيخاوي بالحقيقة، بكيا كاليتيمين المطرودين من الملجأ.
حينها فقط، أدرك صالح أنه كان "أداة"، فقال للشيخاوي: «أنا ما عملت كان الخير!» فأجابه الشيخاوي: «أحيانًا، الجهل بالنية الصافية يقتل أكثر من الحقد المتعمد».
5) المؤامرة الكبرى
مع تزايد عدد الطرد التعسفي، بدأت رائحة المؤامرة تنتشر. الثعبان الأسود، وبتنسيق خفي مع إحدى الشركات الخاصة، كان يخطط لإفراغ النزل من العملة القدامى وتعويضهم بعقود هشّة من مقاول خاص، يربح منها النسبة الأكبر.
بدأت تتساقط رؤوس الأبرياء، وتضيع مسارات الحقيقة.
لكن الشيخاوي لم يسكت. جمع بقايا الثقة بين بعض الرؤساء، ومنهم "الدمار"، وقرّروا تتبع مصدر التقارير التي تصل إلى مكتب الإدارة. واكتشفوا في النهاية أن أحد "الطحينين"، واسمه جمال، كان يسجل الأحاديث خلسة ويرسلها إلى المقتصد عبر جهاز مزروع في ساعة يد.
6) النهاية الأليمة
ذات مساء، وجد جمال ميتًا في غرفته، ممددًا على الأرض، وبجانبه رسالة بخط مرتجف: «ظننت أني أحمي نفسي، فإذا بي أدفنها. الغدر لا يبني وطنًا، ولا يبقي كرامة. سامحوني.»
أما المقتصد، فقد تم نقله في تحقيق إداري إلى مقر الوزارة، ولا يُعرف مصيره إلى اليوم.
عاد النزل يلتقط أنفاسه من جديد، لكن ندبة "الطحين" بقيت، لا تُرى، ولكنها تُشعر.
الخاتمة: «في الأماكن التي يصبح فيها الخوف أقوى من الأخوة، يتحول الإنسان إلى ظل، والوشاية إلى لغة.»
الفصل الإضافي: «النذل» وسقوط الحماية
7) النذل... ظلّ في قاعة المطعم
في زاوية المطعم الكبير لنزل «الواحة الكبرى»، حيث تعج الطاولات بالزوار، كان «النذل» يبتسم للحرفاء ويتلاعب بالقانون. سيطر على مساحة محددة كأنها مملكته، يبيع فيها المشروبات الكحولية خلسة، ويدسّ الأموال في جيبه، بينما يحتمي بقرابته من المدير «العكعاك».
كلما ضبطه «الوفي» وهو يخالف القانون ـ يقدم الخمر لمن لا يحق له أو يشرب أثناء العمل ـ جاء الإنقاذ من الأعلى، فتتلاشى المخالفة في الهواء.
8) خطة الوفي
ضاق «الوفي» ذرعًا. جلس مع «الدمار» رئيس المراقبة، فقال له الأخير: «السرطان لا يُعالج بالصراخ، بل بالسكين. اجعل يده تفضحه بنفسها.» كانت إشارة البدء.
رُتّب كل شيء لليلة مزدحمة: مراقبة سرية، آلة تصوير مخفية، و«حريف» وهمي يطلب زجاجة ممنوعة مقابل مبلغ كبير.
9) ليلة الفخ
انخدع «النذل» بسهولة. سلّم الزجاجة في كيس أسود، قبض المال، قسمه مع نفسه، وابتسم. لكن الكاميرا ـ المزروعة في إناء على الرف ـ كانت ترى كل شيء، وتسمع كل همسة.
10) المواجهة
مع منتصف الليل، تقدّم «الوفي» أمام الجميع: «أيها النذل، هذه المرة لا مفر.» ضحك النذل متكئًا على حماية «العكعاك»، لكن الوفي شغّل التسجيل: الصورة واضحة، اليد تمتد للكيس، النقود تُقبض، المخالفة مكتملة الأركان.
11) سقوط الحماية
في الصباح، حاول «العكعاك» المراوغة، لكن «الدمار» كان حاسمًا: «الدفاع عنه الآن يجعلك شريكًا.» تراجع المدير، وسقطت المظلة. خرج «النذل» مطأطئ الرأس، لا يملك إلا صمته.
12) عبرة النهاية
جلس «الوفي» يتأمل، يتردد في ذهنه صدى العبارة: «اجعل يده تفضحه.» أدرك العمال أن الحماية لا تدوم، وأن الحقيقة لا تنام. من يلوّث يده اليوم، لن يجد غدًا من يغسلها له.
رابط القصة الأصلية على مدونتك: cuisine-murmures-hotel
