تونس تستعيد امجاد قرطاج لو؟

تونس واقتصادها وأسباب تخلفها

تونس واقتصادها: لماذا لا تنضوي ضمن الاقتصادات الكبرى؟

في قلب شمال إفريقيا، تقع الجمهورية التونسية على مفترق طرق استراتيجي بين أوروبا وأفريقيا جنوب الصحراء، مطلة على البحر الأبيض المتوسط، وغنية بموارد طبيعية كالفسفاط والملح وكمية محدودة من النفط والغاز. كذلك تمتلك تراثًا تاريخيًا عريقًا امتدّ إلى حضارة قرطاج وحنبعل الذي تحدّى روما قبل ألفي عام. ومع ذلك، لم تتمكّن تونس من تأسيس مكانة ضمن الاقتصادات الكبرى. فما أسباب هذا التخلف النسبي رغم الإمكانات الظاهرة؟

1. الاعتماد المفرط على السياحة والزراعة

  • السياحة: تمثّل أكثر من 7% من الناتج المحلي. لكنها هشّة أمام الاضطرابات السياسية والأمنية، فتتقلّص فور وقوع أي هجوم أو أزمة.
  • الفلاحة: تتركّز على زيت الزيتون والحبوب والتمور، وتشكو من الجفاف وغياب الصناعات التحويلية القوية لإضفاء قيمة مضافة.

2. ضعف التنويع الصناعي والتكنولوجي

على الرغم من تصدير كميات كبيرة من الفسفاط والملح، تغيب في تونس الصناعات الكيماوية المتطورة. كما يتركّز القطاع الصناعي على المنسوجات وتجميع الإلكترونيات دون استثمار كافٍ في البحث والتطوير.

3. الإرث الاستعماري والهياكل الإدارية البيروقراطية

ترك الاستعمار الفرنسي عند الاستقلال هياكل إدارية مركزة ومعقدة. فشلت الحكومات المتعاقبة في تبسيط الإجراءات وفتح المجال أمام المشاريع الخاصة، فتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر مقارنة بالدول المجاورة.

4. الاستقرار السياسي والاختلالات الأمنية

شهدت تونس ثورة 2011 انتقالًا ديمقراطيًا مهمًا، لكن ضعف الحكومات المتعاقبة والصراعات السياسية عطّلت الإصلاحات الاقتصادية، بينما أضعفت الاعتداءات الإرهابية عام 2015 من قدرة القطاع السياحي على النهوض.

5. ضغوط المؤسسات الدولية

فرض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي منذ الثمانينات سياسات تقشفية تقضي بخفض الدعم العام وتحرير الأسعار. هذه الإجراءات، رغم حاجتها في بعض الأحيان، أثّرت سلبيًا على القدرة الشرائية ووقفت عائقًا أمام التمويل التنموي.

6. هجرة العقول ونقص الكفاءات

نزح آلاف الشباب الحاصلين على شهادات عليا إلى أوروبا والخليج طلبًا لفرص عمل أفضل، مما أحدث «نزيفًا دماغيًا» قلّص من قاعدة الخبرات المحلية المطلوبة لتطوير القطاع الصناعي والتكنولوجي.

7. ضعف التمويل والابتكار

تميل البنوك المحلية إلى دعم المشاريع التقليدية (تجارة وعقارات) أكثر من دعم الشركات الناشئة التكنولوجية، في ظل شروط قروض صارمة وأسعار فائدة مرتفعة، مما يعيق نشوء قطاعات مبتكرة.

أسباب أخرى ترى أنها جوهرية

  • البطالة المقنعة: حيث يظلُّ عددٌ كبيرٌ من الشباب في وظائف مؤقتة وهشة، ما يحدّ من التحفيز للإنتاجية العالية.
  • الفساد الإداري: يستهلك موارد الدولة ويُضعف ثقة المستثمرين المحليين والأجانب.
  • ضعف البنية التحتية: من طرق وموانئ وكهرباء، ما يرفع كلفة الإنتاج ويقلل قدرة التصدير.

خاتمة

إن تخلف تونس الاقتصادي يعود إلى تضافر عوامل داخلية وخارجية: اعتماد غير مستدام على السياحة والفلاحة، وهيكل إداري معقّد، وضغوط مؤسسات دولية، وهجرة العقول، وضعف التنويع. ولتجاوز هذه العقبات، تحتاج تونس إلى إصلاحات بنيوية: تنويع القاعدة الإنتاجية، تبسيط الإجراءات، دعم الابتكار، وتحسين بيئة الأعمال. فقط بعزم وطني وإصلاحات جريئة يمكن لتونس أن تستعيد مكانتها في خارطة الاقتصاد العالمي.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

إعلان أدسنس أول الموضوع

إعلان أدسنس أخر الموضوع